فصل: قال سيد قطب:

صباحاً 0 :9
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم




.سورة الأحقاف:

.فصول مهمة تتعلق بالسورة الكريمة:

.فصل في فضل السورة الكريمة:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
فضل السّورة:
فيه حديث أُبيّ المردودُ صحة: «مَنْ قرأ الأَحقاف أُعطي من الأَجر بعدد كلّ رجل في الدّنيا عشر حسنات. ومُحِى عنه عشرُ سيئات». اهـ.

.فصل في مقصود السورة الكريمة:

.قال البقاعي:

سورة الأحقاف:
مقصودها إنذار الكافرين بالدلالة على صدق الوعد في قيام الساعة اللازم للعزة والحكمة الكاشف لهما أتم كشف بما وقع الصدق في الوعد به من إهلاك المكذبين بما يضاد حال بلادهم وأنه لا يمنع من شيء من ذلك مانع لأن فعل ذلك لا شريك له فهو المستحق للإفراد بالعبادة. وعلى ذلك دلت تسميتها بالأحقاف الدالة على هدوء الريح وسكون الجوبما دلت عليه قصة قوم هود عليه الصلاة والسلام من التوحيد وإنذارهم بالعذاب دنيا وأخرى ومن إهلاكهم وعدم إغناء ما عبدوه عنهم ولا يصح تسميتها بهود ولا تسمية هود بالأحقاف لما ذكر من المقصود بكل منهما. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في: حم الأحقاف:

السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق.
آياتها خمس وثلاثون في الكوفيّين. وأَربع في الباقين.. كلماتها ثلاثمائة وأَربع وأَربعون.
وحروفها أَلفان وخمسمائة وخمس وتسعون.
المختلف فيها آية واحدة: حم.
فواصل آياتها (من) سمّيت سورة الأَحقاف. لقوله فيها: {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ}.

.معظم مقصود السّورة:

إِلزام الحجّة على عبادة الأَصنام. الإِخبار عن تناقض كلام المتكبّرين. وبيان نبوّة سيّد المرسلين. وتأْكيد ذلك بحديث موسى. والوصيّة بتعظيم الوالدّيْن. وتهديد المتنعّمين. والمترفِّهين. والإِشادة بإِهلاك عاد العادين. والإِشارة إِلى الدّعوة. وإِسلام الجنّيين. وإِتيان يوم القيامة فجأَة. واستقلال لبث اللابثين في قوله: {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ}.

.الناسخ والمنسوخ:

فيها من المنسوخ آيتان {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي} م {لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} ن {كَمَا صَبَرَ أُولواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} م آية السيف ن.
ما في هذه السّورة من المتشابه سبق وذكر فى المتشابه {أوليَاءُ أولائِكَ} أَي لم يجتمع في القرآن همزتان مضمومتان غيرهما.

.فصل في متشابهات السورة الكريمة:

قال ابن جماعة:
سورة الأحقاف:
410- مسألة:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} وقال تعالى في السجدة: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} الآيات.
جوابه:
أن آية السجدة: وردت بعد ما تقدم ذكر الكفار من الأمم وعقابهم. فناسب ذلك بسب ما أعد للمؤمنين من النعم والأمن وثوابهم. واية الأحقاف: مساقة على الاختصار. فناسب ما وردت به.
411- مسألة:
قوله تعالى: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} تقدم. اهـ.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال ابن عاشور:

سورة الأحقاف:
سميت هذه السورة (سورة الأحقاف) في جميع المصاحف وكتب السنة. و وردت تسميتها بهذا الاسم في كلام عبد الله بن عباس.
روى أحمد بن حنبل بسند جيد عن ابن عباس قال أقرآني رسول الله سورة من ال حم وهي الأحقاف. وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين.
وكذلك وردت تسميتها في كلام عبد الله بن مسعود أخرج الحاكم بسند صححه عن ابن مسعود قال: أقرآني رسول الله سورة الأحقاف الحديث.
وحديث ابن عباس السابق يقتضي أنها تسمى ثلاثين إلا أن ذلك لا يختص بها فلا يعد من أسمائها.
ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم.
و وجه تسميتها (الأحقاف) ورود لفظ الأحقاف فيها ولم يرد في غيرها من سور القرآن.
وهي مكية قال القرطبي: باتفاق جميعهم. وفي إطلاق كثير من المفسرين.
وبعض المفسرين نسبوا استثناء آيات منها الى بعض القائلين. فحكى ابن عطية استثناء ايتين هما قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} إلى {الظالمين} فإنها أشارت إلى إسلام عبد الله بن سلام وهو إنما أسلم بعد الهجرة. وقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الاحقاف: 35].
وفي الإتقان ثلاثة أقوال باستثناء آيات ثلاث منها الاثنتان اللتان ذكرهما ابن عطية والثالثة {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ} إلى قوله: {خاسرين}.
[الأحقاف: 15- 18] وسيأتي ما يقتضي أنها نزلت بعد مضي عامين من البعثة وأسانيد جميعها متفاوتة.
وأقواها ما روي في الآية الأولى منها. وسنبين ذلك عند الكلام عليها في مواضعها.
وهذه السورة معدودة الخامسة والستين في عداد نزول السور. نزلت بعد الجاثية وقبل الذاريات.
وعدت ايها عند جمهور أهل الأمصار أربعا وثلاثين. وعدها أهل الكوفة خمسا وثلاثين والاختلاف في ذلك مبني على أن {حم} تعتبر آية مستقلة أولا.
أغراضها:
من الأغراض التي اشتملت عليها أنها افتتحت مثل سورة الجاثية بما يشير إلى إعجاز القرآن للاستدلال على أنه منزل من عند الله.
والاستدلال بإتقان خلق السماوات والأرض على التفرد بالإلهية. وعلى إثبات جزاء الأعمال.
والإشارة إلى وقوع الجزاء بعد البعث وأن هذا العالم صائر إلى فناء.
وإبطال الشركاء في الإلهية.
والتدليل على خلوهم عن صفات الإلهية.
وإبطال أن يكون القرآن من صنع غير الله.
وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستشهاد الله تعالى على صدق رسالته واستشهاد شاهد بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام.
والثناء على الذين آمنوا بالقرآن وذكر بعض خصالهم الحميدة وما يضادها من خصال أهل الكفر وحسدهم الذي بعثهم على تكذيبه.
وذكرت معجزة إيمان الجن بالقرآن.
وختمت السورة بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأقحم في ذلك معاملة الوالدين والذرية مما هو من خلق المؤمنين. وما هو من خلق أهل الضلالة.
والعبرة بضلالهم مع ما كانوا عليه من القوة. وأن الله أخذهم بكفرهم وأهلك أمما أخرى فجعلهم عظة للمكذبين وأن جميعهم لم تغن عنهم أربابهم المكذوبة.
وقد أشبهت كثيرا من أغراض سورة الجاثية مع تفنن. اهـ.

.قال سيد قطب:

هذه السورة المكية تعالج قضية العقيدة.. قضية الآيمان بوحدانية الله وربوبيته المطلقة لهذا الوجود ومن فيه وما فيه. والآيمان بالوحي والرسالة وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول سبقته الرسل. أوحي إليه بالقرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب. والآيمان بالبعث وما وراءه من حساب وجزاء على ما كان في الحياة الدنيا من عمل وكسب ومن إحسان وإساءة.
هذه الأسس الأولى التي يقيم عليها الإسلام بناءه كله. ومن ثم عالجها القرآن في كل سوره المكية علاجا أساسيا. وظل يتكيء عليها كذلك في سوره المدنية كلما هم بتوجيه أوتشريع للحياة بعد قيام الجماعة المسلمة والدو لة الإسلامية. ذلك أن طبيعة هذا الدين تجعل قضية الآيمان بوحدانية الله سبحانه. وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم والآيمان بالآخرة وما فيها من جزاء.. هي المحور الذي تدور عليه ادابه ونظمه وشرائعه كلها. وترتبط به أوثق ارتباط؛ فتبقى حية حارة تنبعث من تأثير دائم بذلك الآيمان.
وتسلك السورة بهذه القضية إلى القلوب كل سبيل؛ وتوقع فيها على كل وتر؛ وتعرضها في مجالات شتى. مصحوبة بمؤثرات كونية ونفسية وتاريخية. كما أنها تجعلها قضية الوجود كله- لا قضية البشر وحدهم- فتذكر طرفا من قصة الجن مع هذا القرآن كذكرها لموقف بعض بني إسرائيل منه. وتقيم من الفطرة الصادقة شاهدا كما تقيم من بعض بني إسرائيل شاهدا. سواء بسواء.
ثم هي تطوف بتلك القلوب في افاق السماوات والأرض. وفي مشاهد القيامة في الآخرة. كما تطوف بهم في مصرع قوم هود وفي مصارع القرى حول مكة. وتجعل من السماوات والأرض كتابا ينطق بالحق كما ينطق هذا القرآن بالحق على السواء.
ويمضي سياق السورة في أربعة أشواط مترابطة. كأنها شوط واحد ذوأربعة مقاطع.
يبدأ الشوط الأول وتبدأ السورة معه بالحرفين: حا ميم كما بدأت السور الست قبلها. تليهما الإشارة الى كتاب القرآن والوحي به من عند الله: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}.. وعقبها مباشرة الإشارة الى كتاب الكون. وقيامه على الحق. وعلى التقدير والتدبير: {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى}.. فيتوافى كتاب القرآن المتلو وكتاب الكون المنظور على الحق والتقدير: {والذين كفروا عما أنذروا معرضون}.
وبعد هذا الافتتاح القوي الجامع يأخذ في عرض قضية العقيدة مبتدئا بإنكار ما كان عليه القوم من الشرك الذي لا يقوم على أساس من واقع الكون. ولا يستند الى حق من القول. ولا مأثور من العلم: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}.. ويندد بضلال من يدعومن دون الله من لا يسمع لعابده ولا يستجيب. ثم هو يخاصمه يوم القيامة ويبرأ من عبادته في اليوم العصيب!
ويعرض بعد هذا سوء استقبالهم للحق الذي جاءهم به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولهم له: {هذا سحر مبين}.. وترقيهم في الادعاء حتى ليزعمون أنه افتراه. ويلقن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم الرد اللائق بالنبوة. النابع من مخافة الله وتقواه. وتفويض الأمر كله إليه في الدنيا والآخرة: {قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين}.. ويحاججهم بموقف بعض من اهتدى للحق من بني اسرائيل حينما رأى في القرآن مصداق ما يعرف من كتاب موسى- عليه السلام-: {فآمن واستكبرتم}.. ويندد بظلمهم بالإصرار على التكذيب بعد شهادة أهل الكتاب العارفين: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين}..
ويستطرد في عرض تعلاتهم ومعاذيرهم الواهية عن هذا الإصرار. وهم يقولون عن المؤمنين: لوكان خيرا ما سبقونا إليه.. ويكشف عن علة هذا الموقف المنكر: وإذ لم يهتدوا به فسيقولون: هذا إفك قديم!.
ويشير إلى كتاب موسى من قبله. وإلى تصديق هذا القرآن له. وإلى وظيفته ومهمته: {لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين}..
ويختم هذا الشوط بتفصيل هذه البشرى لمن صدق بالله واستقام على الطريق: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون}..
ويعرض الشوط الثاني نموذجين للفطرة البشرية: المستقيمة والمنحرفة. في مواجهة قضية العقيدة. ويبدأ معهما من النشأة الأولى. وهما في أحضان والديهم. ويتابع تصرفهما عند بلوغ الرشد والتبعة والاختيار. فأما الأول فشاعر بنعمة الله بار بوالديه. راغب في الوفاء بواجب الشكر. تائب ضارع مستسلم منيب: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}.. وأما الآخر فعاق لوالديه كما هو عاق لربه. وهو جاحد منكر للاخرة. وهما به ضيقان متعبان: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين}..
ويختم هذا الشوط بمشهد سريع من مشاهد القيامة يعرض فيه مصير هذا الفريق: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون}..
والشوط الثالث يرجع بهم إلى مصرع عاد. عندما كذبوا بالنذير. ويعرض من القصة حلقة الريح العقيم. التي توقعوا فيها الري والحياة؛ فإذا بها تحمل إليهم الهلاك والدمار. والعذاب الذي استعجلوا به وطلبوه: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين}.. ويلمس قلوبهم بهذا المصرع. وهو يذكرهم بأن عادا كانوا أشد منهم قوة وأكثر ثروة: {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون}.. ويذكرهم في نهاية الشوط مصارع ما حولهم من القرى. وعجز الهتهم المدعاة عن نصرتهم. وظهور إفكهم وافترائهم. لعلهم يتأثرون ويرجعون..
ويتناول الشوط الرابع قصة نفر من الجن مع هذا القرآن. حين صرفهم الله لاستماعه. فلم يملكوا أنفسهم من التأثر والاستجابة. والشهادة له بأنه الحق: {مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم}. وعادوا ينذرون قومهم ويحذرونهم ويدعونهم إلى الآيمان: {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين}..